تحليل إخباري | إخفاق نتنياهو والتوتر مع الجيش

الفرق بين الاحتجاجات الإسرائيلية ضد غلاء المعيشة في العام 2011 والاحتجاجات الحالية ضد خطة "الإصلاح القضائي" هو ضلوع عناصر الاحتياط في الاحتجاجات الحالية، والذي على ما يبدو أن نتنياهو لم يتوقعه.

تحليل إخباري | إخفاق نتنياهو والتوتر مع الجيش

عناصر في الاحتياط يوقعون عرائض وقف خدمتهم العسكرية (Getty Images)

بات انقسام المجتمع الإسرائيلي، على خلفية خطة "الإصلاح القضائي" التي تدفعها الحكومة الحالية، بهدف تقييد صلاحيات جهاز القضاء وخاصة المحكمة العليا؛ واضحا جدًّا في الحيّز العام، وخصوصا الاحتجاجات ضد الخطة.

وتنتشر في الشوارع لافتات كبيرة كُتب فيها "ملزمون بوقف الانقلاب" القضائي، "ملزمون بمقاومة الديكتاتورية" "الحفاظ على الديمقراطية" وما إلى ذلك. كما أن الكثير من سيارات المواطنين تحمل ملصقات بهذه الروح، ناهيك عن مشاركة عشرات الآلاف، وأحيانا يصل عددهم إلى مئات الآلاف، في المظاهرات الأسبوعية، أو أكثر من مرة في الأسبوع، ضد هذه الخطة الحكومية.

وهذه ليست الاحتجاجات الأولى من نوعها في إسرائيل. ففي العام 2011 جرت احتجاجات واسعة نسبيا ضد حكومة نتنياهو على خلفية غلاء الأسعار، لكنها تراجعت وتبددت بعد أشهر قليلة، من دون أن تحقق شيئا.

إلا أن الاحتجاجات الحالية ضد الخطة القضائية غير مسبوقة. فهي بالتأكيد خطة "إصلاح قضائي" مزعومة، تهدف من خلال قانون إلغاء ذريعة المعقولية، الذي تم سنّه الشهر الماضي، إلى منع المحكمة العليا من التدخل في قرارات الحكومات مهما كانت غير قانونية أو ظالمة. وتهدف أيضا إلى تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة بحيث يكون للحكومة سيطرة كاملة عليها وتعيين قضاة موالين لها. إلا أن الاعتبار المركزي لاحتجاجات العناصر في الاحتياط هو أنه من دون تدخل المحكمة الإسرائيلية سيتعرضون لدعاوى قضائية في محاكم دولية وللاعتقال في دول أوروبية إثر ارتكابهم جرائم حرب. وشعار احتجاجات عناصر الاحتياط المركزي في المظاهرات هو "لن نخدم الديكتاتورية".

نتنياهو يتوسط هليفي وغالانت (مكتب الصحافة الحكومي)

والفرق بين احتجاجات العام 2011 واحتجاجات العام 2023 هو مشاركة عناصر الاحتياط في الجيش الإسرائيلي في الاحتجاجات الحالية، وتأثيرها على إعلان عناصر في الاحتياط عن تعليق امتثالهم في الخدمة العسكرية. فالخدمة العسكرية النظامية إلزامية، بينما الخدمة في قوات الاحتياط تطوعية.

رغم ذلك، فإن الخدمة العسكرية في الاحتياط في سلاح الجو، وكذلك في الوحدات الخاصة، وبينها وحدات التجسس العسكري، تكتسب أهمية كبيرة، خاصة بسبب خبرة عناصر الاحتياط. وفي حالة سلاح الجو بسبب النقص في الطيارين الحربيين ذوي الخبرة الكبيرة، والذين يدربون الطيارين الحربيين الجدد. ولذلك، تسبَّب توقف الطيارين في الاحتياط عن الامتثال في الخدمة، والتي تجري بوتيرة أسبوعية، خلافا لباقي أذرع الجيش، بأزمة دفعت قائد السلاح إلى التحذير من عواقبها وتأثيرها على كفاءات هذا السلاح.

ويدرك الإسرائيليون أن أهمية الجيش تكمن في تفوق سلاحه الجوي ووحداته التكنولوجية، ولذلك فإن تراجع الكفاءات العسكرية في هذين المجالين، يضعف الجيش الإسرائيلي بشكل كبير. ففي حروب إسرائيل ضد حزب الله في لبنان والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، منذ العام 2006، بالكاد تمكن الجيش الإسرائيلي من منع تكبده خسائر كبيرة، بسبب سلاح الجو خصوصا، لكن يرجَّح أن يكون وضع إسرائيل محرجا جدا في حرب قادمة مع سلاح جو ضعيف.

وتُجمِع التقارير الإسرائيلية على أن وضع كفاءات الجيش سيتضح أكثر بعد انتهاء العطلة الصيفية، حيث يتوقَّع اتساع الاحتجاجات في قوات الاحتياط ضد الخطة القضائية، وأن تتسرب إلى أسلحة أخرى. وليس مستبعدا أن تتسرب الاحتجاجات إلى صفوف الضباط في الخدمة الدائمة، في حال استمرار إصرار الحكومة على دفع تشريعات الخطة القضائية، بعد انتهاء عطلة الكنيست، بداية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

ورغم تراجع نسبة التجنيد للقوات النظامية والتطوع في قوات الاحتياط، في السنوات الأخيرة، إلا أن الجيش الإسرائيلي لا يزال يحمل صفة "جيش الشعب". ولذلك فإن التداخل ما بين المجتمع والجيش لا يزال قائما، والقضايا التي يواجهها المجتمع الإسرائيلي والتحولات الاجتماعية فيه تؤثر على الجيش، وبشكل خاص على عناصر الاحتياط.

وتجري المقارنة مؤخرا بين إخفاق إسرائيل في حرب العام 1973 والأزمة الحالية. والإخفاق في حينه تمحور بالأساس حول عدم توقع إسرائيل هجوم الجيشين المصري والسوري، بينما الحكومة الحالية أخفقت في توقع الاحتجاجات ضد خطة "الإصلاح القضائي" الذي بادرت إليه.

والإخفاق الحالي هو إخفاق نتنياهو بالأساس، لأنه يعرف طبيعة الجيش الإسرائيلي، كمن تولى أطول عدد سنوات في منصب رئيس الحكومة، وكجندي في وحدة كوماندوز النخبة "سرية هيئة الأركان العامة". ويصعب تحميل هذا الإخفاق للوزيرين المتطرفين العنصريين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، أو حتى على قادة الأحزاب الحريدية في الحكومة، لأنهم لم يخدموا في الجيش، ولا يعرفون طبيعته وطبيعة العلاقة بينه وبين المجتمع "العلماني" في إسرائيل.

وعلى ما يبدو، فإن وزير الأمن، يوآف غالانت، أدرك هذا الإخفاق متأخرا. وغالانت هو جنرال سابق في الجيش الإسرائيلي، وتولى منصب قائد المنطقة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، وقاد العدوان على غزة في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009. ولاحقا، بعد تسرحه من الجيش، سافر غالانت إلى بريطانيا، لكن عندما حطت الطائرة في مطار لندن لم يتمكن غالانت من مغادرتها، بسبب صدور أمر اعتقال ضده من محكمة بريطانية، بتهمة ارتكابه جرائم حرب.

وأدى إدراك غالانت المتأخر لإخفاق "الإصلاح القضائي" ودعوته إلى وقف الخطة، في آذار/ مارس الماضي، إلى قرار نتنياهو بإقالته والتراجع عن القرار بسبب اتساع الاحتجاجات ضد القرار، وضغوط مارستها الإدارة الأميركية. ولا يزال التوتر بين نتنياهو وغالانت قائما على خلفية مطالبة نتنياهو قادة الجيش بالتوقف عن التصريحات بشأن تراجع كفاءات الجيش، وتهجمات وزراء وأعضاء كنيست على قادة الجيش.

وإدراك غالانت ينطبق على وزير الزراعة، آفي ديختر، وهو رئيس الشاباك الأسبق، الذي أعلن تحفظه من استمرار تشريعات الخطة، بدون توافق مع المعارضة.

إلى جانب ما تقدَّم، تمارِس الولايات المتحدة ضغوطا على حكومة نتنياهو من أجل وقف التشريعات القضائية. وبين أسباب ذلك، حصول إسرائيل على دعم أميركي كبير، يصل إلى 3.8 مليار دولار سنويا، ودعم سياسي أعمى. ويسعى الجيش الأميركي حاليا إلى فهم مدى تأثير الاحتجاجات ضد الخطة على الجيش الإسرائيلي، وبشكل خاص كفاءاته، بعد الاستثمار فيها بشكل كبير.

التعليقات